تُعد مدينة البندقية الإيطالية واحدة من أكثر الوجهات السياحية شهرةً وجمالاً في العالم، حيث تجذب الملايين من الزوار سنويًا بفضل قنواتها المائية الخلابة، وجسورها التاريخية، ومعالمها الفنية التي لا تُضاهى. تقع البندقية في شمال شرق إيطاليا، وهي عبارة عن مجموعة من الجزر المتصلة عبر قنوات مائية ضيقة، مما يمنحها طابعًا فريدًا لا يشبه أي مدينة أخرى في العالم.
تتمتع المدينة بتاريخ طويل يمتد إلى أكثر من ألف عام، وقد كانت في العصور الوسطى واحدة من أبرز المراكز التجارية في البحر الأبيض المتوسط. تعكس معالم المدينة الغنية، مثل ساحة سان ماركو وكاتدرائية سان ماركو وقصر الدوق، تاريخها العريق وتراثها الثقافي. تُعرف البندقية أيضًا بجسورها الجميلة، مثل جسر ريالتو وجسر الأكاديميا، الذي يُعد من أبرز معالم المدينة السياحية.
أول مدينة سياحية تفرض رسوم دخول
ومع ذلك، فإن هذا الجمال الكبير يجلب معه تحديًا متزايدًا: “السياحة المفرطة”، التي أصبحت تهدد نسيج المدينة وبنيتها التحتية. في إطار جهودها المستمرة للحفاظ على المدينة وحمايتها من التأثيرات السلبية للسياحة المفرطة حيث أعلنت السلطات في البندقية عن خطوة غير مسبوقة دخلت حيز التنفيذ يوم الخميس 25 أبريل/نيسان 2024 والتي فرضت من خلالها ضريبة قدرها 5 يوروهات على السياح الذين يزورونها لفترات قصيرة خلال النهار دون المبيت.
سيكون على الزوار الراغبين في استكشاف المدينة لمدة يوم واحد فقط، الحصول على بطاقة دخول رقمية عبر الإنترنت تحتوي على رمز استجابة سريعة (QR Code) حيث يمكن للزوار تنزيل هذا الرمز من موقع إلكتروني خاص متاح بعدة لغات بما في ذلك الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية والإيطالية. وسيتم استخدام هذه البطاقة للدخول إلى المدينة بين الساعة 8:30 صباحًا و4:00 مساءًا و يتوقع أن تُسهم هذه الخطوة في تنظيم تدفق الزوار، وتخفيف الازدحام في أوقات الذروة السياحية.
هذه الضريبة، رغم أنها تُعتبر رمزية الا انها تهدف إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على التراث الثقافي الفريد للبندقية وتقديم تجربة سياحية مميزة. وفي الوقت نفسه، تأمل السلطات في أن يساعد هذا الإجراء في تقليل الضغط على البنية التحتية للمدينة، خاصة في الأوقات التي تشهد فيها تدفقًا هائلًا من السياح.
إعفاءات واستثناءات
ويُعفى من هذه الضريبة الأطفال دون سن 14 عامًا، والطلاب، وأولئك الذين يقيمون ليلة واحدة على الأقل في المدينة، حيث سيُمنحون رمز استجابة سريع مجاني. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الخطة إعفاءات خاصة للمجموعات الكبيرة التي قد تزور المدينة لأغراض تعليمية أو ثقافية.
السفن العملاقة تمنع من الدخول الى البندقية
لا يعتبر هذا الإجراء الأول من نوعه في مساعي البندقية للحفاظ على طابعها التاريخي الفريد. ففي السنوات الأخيرة، قامت المدينة بحظر السفن السياحية العملاقة من الوصول إلى وسط المدينة التاريخي، وهي خطوة لقيت ترحيبًا كبيرًا من المنظمات البيئية والثقافية.
رغم هذه الجهود، لا تزال البندقية تواجه تحديات كبيرة ففي عام 2023، كانت المدينة على وشك أن تُدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي المهدد بالخطر، وذلك بسبب تدهور البيئة الحضرية وتأثير السياحة المفرطة. غير أن السلطات المحلية تعمل بلا كلل على اتخاذ تدابير أكثر فعالية لضمان أن تظل البندقية مكانًا يعيش فيه السكان بشكل مريح ويزوره السياح دون الإضرار بجمالها الفريد.
يُعد هذا الإجراء الجديد جزءًا من استراتيجية أوسع لتقليل التأثيرات السلبية للسياحة المفرطة على المدن التاريخية حول العالم. ومع زيادة الوعي العالمي بمخاطر هذه الظاهرة، قد نشهد تطبيق إجراءات مماثلة في مدن أخرى تواجه تحديات مشابهة، مثل برشلونة وأمستردام ودوبروفنيك .
في النهاية، تبقى البندقية مدينةً تأسر القلوب بجمالها الفريد وسحرها التاريخي. قنواتها الهادئة وجسورها الرومانسية تعكس لوحةً حية من الألوان والتفاصيل التي تجعلها وجهةً لا تُنسى.
لا يوجد تعليقات