يُعتبر الإمام محمد بن إدريس الشافعي واحدًا من أعظم العلماء والفقهاء في تاريخ الإسلام، حيث ترك تأثيرًا عميقًا في الفقه الإسلامي حتى أصبح له مذهب يتبعه المسلمون حتى يومنا هذا. وبجانب علمه الديني، كان للإمام الشافعي حكمةٌ بالغةٌ تبدو جليةً في أقواله وأشعاره، حتى أصبحت أقواله وحكمه مرجعًا للمسلمين في جميع أنحاء العالم.


تتميز أقوال الإمام الشافعي بالحكمة والعمق، إذ انبثقت من تجربته الشخصية ودراسته العميقة للكتاب والسنة حيث كان يتمتع بذكاء فكري استثنائي وبصيرة عالية في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها العملية في حياة الناس. ما يُميز حكم الإمام الشافعي أنها لا تقتصر فقط على المجال الشرعي، بل تمتد إلى جوانب الحياة الاجتماعية والأخلاقية والروحية. في هذا المقال نستعرض مجموعة من أشهر حكم وأقوال وأشعار الإمام الشافعي وعباراته، وننظر في معانيها ورسائلها العميقة. سنتعرف على الحكمة المستخلصة من كلماته التي تلقي الضوء على الكثير من القيم مثل العدل، التسامح، والزهد.

في وصف الدنيا
قال الإمام الشافعي:

تموت الأسد في الغابات جوعًا … ولحم الضأن تأكله الكــلاب
وعبد قد ينام على حريـــر … وذو نسب مفارشه التــراب

في التعامل مع الناس
قال الإمام الشافعي:


إذا سبَّني نـذلٌ تزايـدتُ رفعـةً …. وما العيبُ إلّا أن أكـون مُساببه
ولو لم تكن نفسـي علـى عزيـزةً …. مكنتُهـا مـن كل نـذلٍ تُحاربـه

وقال أيضًا:
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ ….. فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهةً فأزيد حلما ….. كعودٍ زاده الإحراقُ طيبا

في فضل السكوت
قال الإمام الشافعي:


قالوا أسكتَّ وقد خوصمت قلت لهم … إنَّ الجواب لباب الشـرِّ مفتـاح
والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرف … وفيه أيضًا لصونِ العرض إصلاح
أما ترى الأسد تُخشى وهي صامتة ؟ … والكلب يخشى لعمري وهـو نبَّاح

وقال أيضًا:
إذا نطق السفيهُ فلا تجبه … فخير من إجابته السكوت
فإن كلَّمته فـرّجت عنـه … وإن خليته كمدا يمـوت

وقال أيضًا:
وجدْتُ سكوتي متجراً فلزمتهُ … إِذا لم أجدْ ربحاً فلسْتُ بخاسرِ
وما الصمتُ إِلا في الرجالِ متاجرٌ … وتاجرُهُ يعلو على كلِّ تاجرِ.

في فضل وآداب التعلّم
قال الإمام الشافعي:


اصبر على مـر الجفا من معلم … فإنّ رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعـةً … تجرَّع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابــه … فكبِّر عليه أربعًا لوفاته
وذات الفتى والله بالعلم والتقى … إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته

وقال أيضًا:
تعلَّم فليس المرء يُولد عالـمًا … وليس أخو علمٍ كمن هو جاهـل
وإنَّ كبير القوم لا علم عـنـده … صغير إذا التفَّت عليه الجحافل
وإنَّ صغيرَ القوم إن كان عالمًا … كبير إذا ردت إليه المحافل

وقال أيضًا:
سَهَري لِتَنقيحِ العُلومِ أَلَذُّ لي … مِن وَصلِ غانِيَةٍ وَطيبِ عِناقِ
وَصَريرُ أَقلامي عَلى صَفَحاتِها … أَحلى مِنَ الدَوكاءِ وَالعُشّاقِ
وَأَلَذُّ مِن نَقرِ الفَتاةِ لِدَفِّها … نَقري لِأُلقي الرَملَ عَن أَوراقي
وَتَمايُلي طَرَباً لِحَلِّ عَويصَةٍ … في الدَرسِ أَشهى مِن مُدامَةِ ساقِ
وَأَبيتُ سَهرانَ الدُجى وَتَبِيتُهُ … نَوماً وَتَبغي بَعدَ ذاكَ لِحاقي

وقال أيضًا:
فقيهاً وصوفياً فكن ليس واحداً … فإنّي وحق الله إياك أنصح
فذلك قاس، لم يذق قلبه تقى … وهذا جهول، كيف ذو الجهل يصلح

في نصح الآخرين ونسيان النفس
قال الإمام الشافعي:


يا واعظ الناس عمَّا أنت فاعله … يا من يعد عليه العمر بالنفس
احفظ لشيبك من عيب يدنسه … إن البياض قليل الحمل للدنس
كحاملٍ لثياب الناس يغسلها … وثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغي النجاة ولم تسلك طريقتها …إنَّ السفينة لا تجري على اليبس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على … ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرس
يوم القيامة لا مال ولا ولد … وضمَّةُ القبر تُنسي ليلة العرس

الزهد في الدنيا
قال الإمام الشافعي:


يا من يعانق دنيا لا بقاء لها ….. يُمسي ويُصبح في دنياه سافرا
هلَّا تركت لذي الدنيا مُعانقةً ….. حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكُنها ….. فينبغي لك ألَّا تأمن النارا

وقال أيضًا:
لا تأسَ في الدنيا على فائتٍ … وعندك الإسلامُ والعافية
إن فات شيءٌ كنتَ تُدعىَ له … ففيهما من فائتٍ كافية

في ذم أخلاق بعض الناس
قال الإمام الشافعي:


نُعيب زماننا والعيب فينا … وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنبٍ … ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب … ويأكل بعضُنا بعضًا عيانا

عن رحمة الله
قال الإمام الشافعي:
إن كنت تغدو في الذنـوب جليـدا … وتخافُ في يوم المعاد وعيدا
فلقـد أتاك من المُهيمن عفوه … وأفاض من نعمٍ عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربِّك في الحشا … في بطن أمك مضغة ووليدا
لو شــاء أن تُصلى جهنَّم خالـدا … ما كان ألهمَ قلبك التوحيدا

عن الاعتماد على النفس
قال الإمام الشافعي:


ما حكَّ جلدك مثل ظفرك … فتـولَّ أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجةٍ … فاقصد لمُعترفٍ بفضلك

حكم عن الحياة
قال الإمام الشافعي:


دع الأيام تفعلُ ما تشاء ….. وطب نفسًا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي ….. فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلًا على الأهوال جلدًا ….. وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا ….. وسرك أن يكون لها غطاء
تستَّر بالسخاء فكلُّ عيبٍ ….. يغطيه كما قيل السخاء
ولا تر للأعادي قط ذلًا ….. فإنَّ شماتة الأعدا بلاء

في اختيار الصديق
قال الإمام الشافعي:

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا … فدعه ولا تكثر عليه التأسُّفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة … وفي القلب صبر للحبيب وإن جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه … ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة … فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خلِّ يخون خليله … ويلقاه من بعد المودَّة بالجفا
وينكر عيشًا قد تقادم عهده … ويُظهرُ سرًا كان بالأمس قد خفا
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها … صديقٌ صدوق صادق الوعد منصفا

في فضل الدعاء
قال الإمام الشافعي:


أتهزأ بالدعاء وتزدريــه …. وما تدري بما صنع القضاء
سهــام الليل لا تُخطـي …. لها أمدٌ، وللأمــدِ انقضاء

في طاعة الله
قال الإمام الشافعي:


تعصي الإله وأنت تظهر حبه … هذا محال في القياس بديـع
لو كان حبك صادقًا لأطعتَه … إنَّ المحب لمن يحب مُطيع
في كل يومٍ يبتديك بنعمةٍ … منه وأنت لشكر ذلك مضيع

في التوكّل على الله
قال الإمام الشافعي:


توكلت في رزقي على الله خالقي … وأيقنتُ أنَّ الله لا شكَّ رازقي
وما يك من رزقي فليـس يفوتني … ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي بـه الله العظـيم بفضلـه … ولو، لم يكن من اللسـان بناطق
ففي اي شيء تذهب النفس حسرةً … وقد قسَّم الرحـمنُ رزق الخلائق

في فضل كتمان السر
قال الإمام الشافعي:


إذا المـرء أفشـى سـرَّه بلسانـه … ولام عليـه غيـره فهـو أحمـق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه … فصدر الذي يستودع السرَّ أضيـق

في فضل الكرم
قال الإمام الشافعي:


يا لهف نفسي على مالٍ أُفرقه …. على المقلين من أهل المروات
إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني …. ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات.

وقال أيضًا:
إذا لم تجودوا والأمور بكم تمضي … وقد ملكت أيديكم البسط والفيضا
فماذا يرجى منكم إن عزلتم …. وعضتكم الدنيا بأنيابها عضا
وتسترجع الأيام ما وهبتكم … ومن عادة الأيام تسترجع القرضا.

من أشهر حكم الإمام الشافعي وعباراته

قال الإمام الشافعي:


إذا حار أمرك في شيئين، ولم تدري حيث الخطأ والصواب، فخالف هواك فإنّ الهوى يقود النفس إلى ما يُعاب.

وقال أيضًا:
والناسُ يجمعُهُم شَملٌ وَبَينَهُم في العَقلِ فَرقٌ، وَفي الآدابِ، وَالحَسَبِ.

وقال أيضًا:
أثقل إخواني على قلبي؛ من يتكلَّف لي، وأتكلَّف له، وأحب أخواني إلى قلبي؛ من أكون معه، كما أكون وحدي.

وقال أيضًا:
لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلاَّ أنّ أهل الكتاب قد غلبونا عليه.

وقال أيضًا:
إنّما العلم علمان؛ علم الدين، وعلم الدنيا، فالعلم الذي للدين هو الفقه، والعلم الذي للدُنيا هو الطب.

وقال أيضًا:
فعين الرضا عن كل عيب كليلة، ولكن عين السخط تُبدي المساويا.

وقال أيضًا:
إذا خفتَ على عملِك العُجبَ؛ فاذكر رضى من تطلب، وفي أي نعيمٍ ترغب، ومن أي عتابٍ ترهب؛ فحينئذٍ يصغر عندك عملُك.

وقال أيضًا:
ما شبعتُ منذ ست عشرة سنة، إلا شبعةً اطَّرحتُها؛ لأنّ الشبع يُثقل البدن، ويغشي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويُضعف صاحبَه عن العبادة.

آخر ما قاله الشافعي

دخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه فقال له :كيف أصبحت يا أبا عبدالله ؟!
فقال الشافعي:
أصبحت من الدنيا راحلا، و للإخوان مفارقا، و لسوء عملي ملاقيا، ولكأس المنية شاربا، و على الله واردا، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها.
ثم أخذ يقول:


و لما قسـا قلبي و ضاقـت مذاهبي … جـعـلت رجائي نحـو عفوك سُلَّـما
تعاظمني ذنبي فلـمَّــا قرنتــه … بعـفــوك ربـي كـان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل … تجود و تعفو منــةً و تكرُّما


في الختام، من خلال قراءة أشعار وأقوال الإمام الشافعي، نُدرك بوضوح أنّه كان رمزًا للحكمة والعقل، فما زالت أقواله وحكمه تُؤثِّر في حياة المسلمين حتى اليوم، مُترسخةً في قلوب الناس وتوجههم في مُختلف جوانب حياتهم.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *